رسالة إلى أدونيس _ السعيد عبدالغني

 


لا أرتب كالعادة ما أكتب فاغفر لي ذلك وكتبته عفويا جدا في حالة ضيق.

*

مصلوب أزهد في الحياة

والجحور ممتلئة أمامي

بمن يردد كلماتي

ولا يقوى على فكي

ولا يقوى على استصراخي.

في صدري رماح كثيرة أَلفها

والخيل جُنّ وتَرك وتد رأسي

لا أستطيع طرد حواريي من قلبي

ولا أستطيع عَدّ أعدائي أكثر منهم.

أنا الإنسان ابن الماوراء اللقيط

ووجودي لغة البحث عن أبي.

 

لا أعرف أين أذهب للتشخيص

الأديان وأصحابها يقولون عني كافرا

والأطباء يقولون مريضا

والشعراء يقولون مجنونا

وأهلي يقولون الثلاثة.

بعد أن فقدت الثقة في أي معارف يُنتجها وعيي ذهبت للعالم وهو يتخطاني تيها وتخبطا وبحثا عن معنى، حتى لو وجد الأمر ظاهريا فهو في قعره يكظم الجنون الذي لم أحوزه بعد.

لم أكتب منذ مدة طويلة وهذه المدة الطويلة ممكن تكون بضعة أيام لرعشة يدي المستمرة وتقززي من ملاحظة ذلك.

الغربة تتسع ودفع الآخرين الذين يمَمَت أيديهم من الالم وحملته عنهم، وهذا الدفع يجعلني وحدويا أكثر، الوحدة التي تبني اللغة.

لقد خسرت خلق أي شيء في يومي.

Luigi Schiavonetti:
Luigi Schiavonetti:


جسدي من لغة وعظمي من لغة ودمي كله سُعار مختلط بغضب.

أبتعد عن صوفيتي الرقيقة مع الوقت وأغرق في وجوديات الظلي والهامشي والمنبوذ.

وكتبت لها:

"ليس لاجتلاب وصل ولا لاحتلال حيز في الجوار إنما لتعبير عن جمال مدرَك من خلالكِ يدر سببا للبقاء لليوم في هذا العدم الذي أحيا به.

غلبة على اليأس والإحاطة به في بلاد تُقدس شعوبها وسلطاتها الأرض على ألوان السماوات والأديان على القصائد.

أكتب من إرث النور الاول في الكون وحال الشطحاء في كل عصر الذين وصلوا للسقف ودُموا.

الغرفة ساكنة محشوة بألوان الغسق وقلبي تعضه أسراب أنواركِ والخارج ميثولوجيا مكدسة.

أين وجودكِ يا خليلة إبليس المعاني؟

كسدت الذات والصور.

Karla Ortiz


تخاف مني الان دنيا عشتار والأحبال على عنقي تشتد

سأرحل حتما في بدء فجر وأعود في فجر قيامة في حلمكِ.

يفنى الشاعر أقدَّر كون اللغة تقذفه أبعد، قدماي لا تهدأ عن الحركة تتدرب على الخطو في الماوراء بلانهاية.

تعبت يا أحلام جفوني برؤية الجمال المطلق

قبل وداعي.

وجسدي يرتعش من وطء الموت الذي اهتدى أخيرا.

لم أستطع البقاء لكي لا أتعدى على حرية وحق أحد

لم أستطع إلا تخريبي كمداواة عن اللامعنى

اغفري لي عاشقك شيطاني يكره ذاته

كوجد الكحل لعينيكِ.

كنت أتمنى أن أنتحر عندما اراكِ

بانفجار النشوة في ماوراء الجلد

ماوراء

ماوراء

كعادتي المقززة بالابتعاد عن الابعاد الاولى للأشياء."

Dasha Pliska

 

يمكن لك أن تجد أدونيس كل الغرائبيات في الشعر إن كنت غريبا كشكل نفسي، ويمكن أيضا أن تجد كل الرقة إن كنت "
عدرا" مذكر أو مؤنثة، الشعر دوما مُنذَه يحوي المتطرفات ربما لسبب لغوي في القدرة  وربما هو سبب اللغة في أول كلمة
.

 

هذه الأيام حُزني نقي عن المشاجرات مع العالم والاخرين، حزن خالص وجودي وماورائي. بعثت لك لأطمئن عليك قبل أن أبعث النص.

ولذلك اللغة ميثولوجية ترى من الابعاد الكبرى أكثر من أي أبعاد مُعينة لي كذات.

أشعر بالغربة كثيرا وأحاول دوما أن أُعرِف رغم عدم اعترافي بالثوابت المعرفية وإيماني الوحيد هو بالنسبية.. متحولك.

الغربة مفهوم أصيل في الإنسان، مرتبطة بالكثير من المفاهيم النفسية من الدفء للبيت للإيصال الذاتي للهُوية والمفَكّر فيه.. إلخ.

ربما تكون من قلة الدفء الشعوري، البعد عن الحيز المكاني للبيت أو من جراء فقد من كان يحوي ومن كان يحِن؟ والبيت أيضا هذا استعارة عن المعاني الأماكن الأشخاص ..

وربما تكون من عدم فهم الإنسان من الآخرين و عدم قدرته على إيصال نفسه كما يرى وهنا طبقتان (اللغة والتعبير). اللغة وقصورها وهذا دوما في الألم والمشاعر السوداوية كون اللغة تقل جدا. والتعبير الذي يدخل فيه صنعة معينة من القراءة والقدرة على تسمية الأشياء.

وربما من كثرة الالام وقلة العزاءات ومع عُمق الألم يحتاج الإنسان إلى عزاء أكثر عمقا بشكل جمالي.

Nicola Alessandrini

وحقوق الإنسان في التعبير عن ذاته في المجتمع الجاهل تعتبر فانتازيا وجودية بالنسبة للآخرين، حتى البوح البسيط للأشخاص لا يتم تقبله وإن تم يتم استخدامه كعورة للبوّاح، تُستخدم ضِده كانتقاص سلوكي أو نفسي أو شكل مرضي.

ربما أيضا من فراغ الانتماءات من المعنى أو انعدامها ليس بإرادة خالصة منه ولكن لأنها تحمل ما يكره.

أحيانا الغربة هي أنك لا تستطيع أن تبكي، أن تحب، لأنك لا تستطيع التعبير، لا تستطيع إيصال وجدك، واللغة التي تنقله بها هي جزء كبير مما يُدرِكه الآخر.

لعبة اللغة والمسافة، اللغة تلاشِي المسافة والمسافة تكثُر بالعادات والتقاليد والاديان.. إلخ. هذه أسميها غربة التعبير، غربة الوصول للآخر أي الذات أي غربة المسافة، البين.

اللغة دوما كانت أداة الانسلاخ بعد العودة من المجتمع بآلام جمة.

الشعر كان عتبة لغابة لا يجوز فيها استخدام المنطق ولا العلم. غابة تكتشف غابة واللغة الأداة الظاهرة فقط.

وتبدأ عمليات الكبت العربي من ملاحظتي في قبول اللغة التي لا توجد بها أفعال وأسماء للشر سوى في الشعر.

كل انواع الجنون الحميدة على اللغة التي عشتها تكون خبيثة على الذات.

فاللغة لم تخلق عالما موازيا واحدا بل خلقت عدة، التداخل دوما أقوى من قدرتي على التمييز والانشقاق.

استخدام اللغة بفرط في حالتي يزود شريتي على الذي أسميه بمقدس آني أو دائم.

ثمة شعر تتم كتابته لتخبئه نثر للذات يحضر عدمها.

Steven Zapata

 

أسأل ذاتي أدونيس من أقول عندما أقول أنا؟

السرد هاجس بشخصيات أخرى حتى لو كانت مُختلفة تماما عن هوية السارد الواقعية ولكن في فضاء المتخيل، عشت ذلك في الرواية.

فالهويات كلها مطروحة ومناقشة بشتى الجوانب أو عن  تصورات المجتمع عن ما يمكن أن يكونه الإنسان، والحديث بالأنا الإلهية مقلق لحد كبير في فضاء المجتمع المعيشي لأنه أول تأويل يُنعَت به هو الكفر. لكنه مغري ومغوي.

ومقلِق على المستوى السردي وما قبله لأنه يُحاز فيه الكل، فماذا تقول لغة خالق لكل شيء وقادر على كل شيء؟

وعشت ذلك في ترجمة بوسكيه وفي قراءة الحلاج..

mirza rahmanovic 


وفي هذا الفضاء المتخيل فالهويات كلها مطروحة ومناقشة بشتى الجوانب والأبعاد على حسب قدرة الشاعر الذي هو أكثر مَن يصل في الآخر الذي لا يعيشه فيزيائيا.

لصفة القدرة الأكبر على اللغة التي هي فلك الدخول لأي عرش هوياتي، والتقاط المجازات التفاصيلية وتحويلها إلى نسق كلي. حيث كل نبض يقربه وتنهيدة كلامية.

وهذا يظهر في تعددات النعوت الشخصية للشاعر في قصائده بأنا تتلوها مجاز، وصف الخ.

فقضية الهوية قضية مثارة كثيرا لدي، هاجس رهيب، في رأس الشاعر الذي يبحث عن لغة نقية له.

الهوية بين الذكر والانثى، الهوية بين الإله والإنسان ..

و"أنا" ودلالتها استعارة ضخمة جدا أو بدء مشغول بالكثير.

وان أُثبتت أنا أُثبت آخر وآخرون وإله.

Ernst Fuchs 



البحث عن التعريف دوما حاجة العلوم لكي تستطيع الانطلاق من حيز هو في المطبخ مختلف عليه.

 لكن لا يمنع الاختلاف طرح شكل أو أشكال قليلة باستخدام السلطات وما يناسبها.

والمطبخ بعيد عن القاريء العادي، وبعيد عن الكاتب العادي، فمستوى الخلخلة كلما عمق الفرد كلما عمق معه.

ويترك الكثير من التعريفات نحو حيز الذات التي تعرفه كتأويل لا كثابت مطلق.

 

فقضية الاطلاق معنّفة شعريا، لأنها تفقد الاحتمالات التي هي دروب لآخرين، تُحدث فقدا في الرؤية.

 

ولطالما كانت اللغة هاجسا بالنسبة لي يصل إلى حد الهوس ولا أقصد بُعدها الصرفي بل المجازي الشعري، كأداة، كتكوين.. إلخ.

وأنا أحدثك لأني أجد نفس الهاجس لديك، في كلمة" لغة" عندك شعريا وفكريا.

لربما ذلك من الاستخدام المسرف في الكتابة الكثيرة لدي ومزامنتها لأغلب حياتي وتجاربي وحتى رؤاي.

ورغم أني أظن أن الهوية ظاهريا في اللغة، وباطنيا في الجنون، إلا أني أحاول أقدر اللغة حتى في خضم الجنون أو كأداة له!

وظهر ذلك كثيرا في نثر السكر الذي هو أنقى أنظمة اللغة وأعمق من حبكات النقد.

وتقديري للشعراء ليس لأني شاعر بل لأن الشعراء يحتاجون إلى اللغة ليتنفسوا ويحتاج غيرهم إلى اللغة للتواصل.

 والتواصل اليومي ربما أقل قيمة بالنسبة لي للغة.

اللغة التي لا تنفذ أي المعنى هو الشعر.

وتعرضت لنقد شديد بسبب الكتابة بغض النظر عن المواضيع بل النقد للوقت الذِي يُوَلى في تأمل اللغوي كمقروء فلسفي أو شعري أو فني بالإضافة إلى اللغة ذاتها.

ولكني أعترف أن اللغة لا تدلني على شيء أكثر من النغم، علي.

أحتاج مسرح ضخم كرأسي وموظفين من آلهه الحضارات عندها أؤمن بأهمية الواقع على اللغة.

أحتاج أن أراك.

أسمع موسيقى كثيرا جدا وأحيانا من كثرة السماع تكون القدرة على فهم اللغة أو الحديث صعبة للغاية.

 تشبه دمل في الوعي لا ينتهي إلا في القبر حيث لا حديث بين الرماد.

والمطلق أيا كان تسمته بالحاجب كما أسميه أحيانا هو صديق الشاعر في شعورهما بالعري المطلق، الأول بالحجب والثاني باللغة.

الشاعر هو الوحيد القادر على اللغة حتى مقادرتها للإله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات