من كتاب الحياة الجنسية عند العربي، صلاح الدين المنجد

والعجيب أن أجدادنا العرب لم يكونوا مثلنا، وكان موقفهم من الجنس موقفاً كله حرية وانطلاق. فما كانوا يتحرجون من الحديث عن المرأة الجنس، ومن التأليف فيها. وأعتقد أن حريتهم الواسعة تلك هي التي سببت التزمت الذي نجده اليوم .

تصفح سير اعلام المسلمين - من ابن عباس عم الرسول، في القرن الأول للهجرة، إلى الجلال السيوطي، الإمام الكبير في القرن العاشر - تجد أنهم كانوا لا يرون بأساً في ذكر أمور عن الجنس والكتابة فيها. كان ابن عباس ينشد الشعر الجنسي في البيت الحرام ، وفيه ألفاظ نتحاشى من ذكرها اليوم، وما كان ابن عباس مستهتراً ولا متبذلاً، بل كان حبر الأمة وعلماً من أعلام الإسلام. وألف السيوطي كتباً عديدة في أنواع النكاح وضروب النساء، ذكر فيهــــا الأمور الجنسية على حقيقتها، مما لا يجرؤ أحد أن يكتب مثله اليوم. وما كان السيوطي من الخلعاء والفساق، بل كان من كبار علماء القرن العاشر.

*

وخذ أي كتاب من تراثنا الأدبي القديم، فإنك واجد فيه من الأمور الجنسية أو ما يدور حولها، الكثير. فالحيوان، والبيان والتبيين للجاحظ، والكامل للمبرد، والأمالي للقالي، والأغاني لأبي الفرج، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأمتاع والمؤانسة، والبصائر والذخائر لأبي حيان، ونهاية الأرب للنويري، والمتطرف للأبشيهي، كتب كلتها مملوءة بالأحاديث والأشعار والأقاصيص الجنسية، لم يجد مؤلفوها حرجاً في نقلها وذكرها. ولم يكن هؤلاء المؤلفون ممن سفلت أخلاقهم أو سقطت مروءتهم، بل رأوا أن تواليفهم لا تكمل إلا إذا تحدثوا عن الأمور الجنسية لأنها أمور من الحياة نفسها.

فلا عيب إذن في التحدث عن الجنس كما نتحدث عن المطاعم والمشارب وأمور الحياة، ولا حرج في التأليف عن الجنس تواليف علمية توضح أموره. لأنه آن لنا أن يكون للثقافة الجنسية محلتها الخاص ضمن ثقافتنا العامة الشاملة، شريطة أن لا تهدف هذه التآليف إلى إثارة الغرائز في الشباب والفتيات، بل إلى تهذيبها وجعلها تنطلق بانتظام.

*

كانت الصحراء الواسعة الممتدة أحسن بيئة لإثارة الغرائز في نفوس العرب. ذلك أن العزلة التي فرضتها عليهم دفعتهم إلى الاهتمام بما يحيط بهم. كانوا يعيشون بالفطرة، ويخضعون للغريزة: يتخاصمون ويرضون ويرحلون ويحلون. وهم بين ذلك كله ملتصقون أشد الالتصاق بشيئين لا يكادان يفارقانهم: الأول الابل والخيل، والثاني المرأة. فكانوا يجدون في إبلهم وخيلهم منطَلَقاً لغرائزهم الوحشية في الغزو والحرب والصيد . ويجدون في المرأة متنفّساً لغرائزهم الجنسية. كانوا دائماً يرافقون الإبل ويرافقون النساء. حتى في حربهم وغزواتهم كانوا يجعلون النساء معهم في أعقابهم. ثم كانوا يصفون في شعرهم الإبل ويتغنون بالمرأة. وفي أحاديثهم كانوا يروون مغامراتهم وبطولاتهم في الغزو والقتال والحب. وكانت المرأة تخالط الرجال وتحادثهم، متبرجة سافرة. وكان تبرج المرأة الجاهلية واضحاً حتى أمر القرآن فيا بعد النساء المسلمات بأن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.

*

وثمة أمور أخرى تتعلّق بالحياة الجنسية في الجاهلية . فقد كان البظر شائعاً. ويبدو أن بعض الأمهات كن يَدْفَعْنَ أولادهن إلى فعل ذلك بهن ، ابتغاء اللذة . فالبظراء تجد لذة في ذلك. لذلك نجد من كان يُعير بمص البظر، فقيل: يا ماص بظر أمه. وصار ذلك فيما بعد ذمّاً وشتماً.

ورغم هذه الأخبار التي سقناها عن الحياة الجنسية عند العرب في الجاهلية فإن ما غاب عنا كثير. ولا بد أن نذكر أن هذه الرغبة الجنسية ظهرت في شعر بعض شعراء الجاهلية وفي مغامراتهم. كامريء القيس الذي أتى العذارى يوم دارة جلجل، وهن عاريات يَسْتَحممن، فسرق ثيابهن، وأقسم لا يعطي واحدة ثيابها حتى تخرج أمامه عارية فتمشي مقبلة مدبرة ، ليمتع نفسه ويشبع غرائزه في النظر إلى عريها .

*

وقد نسبوا إلى امريء القيس قوله عن ألذ لذة في الدنيا عندما سئل عنها : أكل اللحم، وركب اللحم، وإدخال اللحم في اللحم. فإذا صح ذلك، يكون عبر عن اللذة الجنسية في الفقرة الأخيرة من كلامه ويكون جعلها من لذائذ الدنيا.

وأثرت الحضارة في النابغة الذبياني لتردّده على الحيرة. فيقولون إنه تحنت في شعره. وآية هذا التخنث وصفه المتجردة الذي برع فيه، وخاصة في وصف حبرها الكبير الذي يملا اليد، ويتأجج بالحرارة. وكان الأعشى يغامر ويجري وراء النساء في الحي، فيلد بهن غير حافل بأزواجهن.

وقد أشار ابن سلام في طبقات الشعراء إلى هؤلاء فقال: ( ومن شعراء الجاهلية من كان يتعهر ولا يُبقي على نفسه ولا يتستر .. وذكر منهم امرأ القيس والأعشى

وصف الشعراء المرأة كما اشتهوا أن يكون جمال المرأة. وهو جمال اللحم قبل كل شيء. اللحم الذي يمسك باليد فيثير الغرائز ويطفيء الشهوات،

*

وصف الشعراء المرأة كما اشتهوا أن يكون جمال المرأة، وهو جمال اللحم قبل كل شيء. اللحم الذي يك باليد فيثير الغرائز ويطفي الشهوات، وذهب بعض الشعراء فوصفوا جسم. المرأة وأعضاءها الخفية أوصافاً مادية شهوانية، ذلك لأن المرأة كانت الوسيلة

الأولى إلى اللذات الجنسية. وقد جعلها طرقة المثل الأعلى الذي يهدف اليه في حياته مع الشراب.

وأغلب الظن أن ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي الذي يصور لحب الجنسي وولوع العرب به قليل، فليس يعقل بعد الأمثلة التي ستناها أن يكون أمرؤ القيس والنابغة وطرفة والأعشى وحدهم عنوا ذكر تلك الرغبة الجنسية المتأججة في نفوس العرب، فلابد أن من يكون هناك شعراء آخرون لم يصل إلينا شعرهم في هذا السبيل.

ولمة دليل قوي يؤيد ما ذهبنا إليه من عناية العرب بالأمور الجنسية تغفهم يا هو وضعهم مئة ألفظ أو أكثر للنكاح"، وعدداً كبيراً من الألفاظ اسما لعضو المرأة الخفي، ومثلها العضو الرجل. فوفرة هذه الألفاظ تدل على الحاجة الماسة إليها، وعلى كثرة استعمالها. تدل على ونوع العرب بالنكاح واقتنائهم به وتعظيمهم له. فوفرة الاسم دل على شرف المسمى. وفي ذلك كله إشارة مادية واضحة إلى انطلاقهم هو اللذات الجنسية، وحبهم المرأة معطية هذه اللذات.

من كتاب الحياة الجنسية عند العربي، صلاح الدين المنجد



 

تعليقات