مِن كتاب أحاديث مع والدي أدونيس - نينار إسبر ولينك الكتاب



 من كتاب: أحاديث مع والدي أدونيس

نينار إسبر
*
نينار : لدينا تراث هائل من النصوص العربية الإباحية والماجنة ، نصوص لا تكمن أهيمتها الحقيقية في أسلوبها لانها مكتوبة بلغة شعبية مبسّطة ولكنّ مضمونها بالمقابل مدهش ومثير والنصوص التي قرأتها مكتوبة ما بين القرن العاشر والقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ...ماذا تمثل هذه النصوص ضمن الثقافة العربية ؟ ما الذي قدمته للمجتمع؟ وما موقعها وتأثيرها اليوم ؟
أدونيس: لدينا كم هائل من النصوص الإباحية كتبها الشعراء العرب، أما النصوص التي تحدثت عنها فهي مصنفة في إطار الأدب الشعبي، ولا تشكل جزءًا من الثقافة الرسمية وهذا عائد بالتأكيد إلى أسباب دينية وأخلاقية ولغوية لهذا فإن تلك النصوص تُقرأ خفية عن الأنظار من قبل العديد من الأشخاص اللذين تكوّنت ثقافتهم الإباحية والجنسية بفضل هذه الكتب ...كان هذا في الماضي أما اليوم فقد شاع الأدب الإباحي وبمكنة أي كان الإطلاع عليه ولاسيما مع استخدام وسائل الاتصال الحديثة ...أنا أعتقد بأن تلك الكتب غاية في الأهمية والطريف في الأمر هو أن غالبية مؤلفي هذه الكتب هم من الفقهاء ورجال الدين وهذا يظهر انفتاحًا عقليًا عظيمًا ، ونظرة عاشقة إلى الحياة ، أنا أقدّر تقديرًا عاليًا قيمة تلك الكتب ولكنها لم تلعب دورًا في الحياة الثقافية .
نينار : هذا غريب بقدر ما هو خسارة حقيقة ؟!
أدونيس : كل ذلك عائد إلى الدين والكوابح الأخلاقية
نينار : ما يحيّرني، هو وجود كل ذلك الأدب الإباحي حول الجسد وشهوات اللحم، والقصص عن رجال يعشقون نساء ونساء يعشقن رجالاً ورجال يُغرمون برجال ونساء يُغرمن بنساء وفوق كل ذلك شعر إباحي رفيع ، على غرار شعر عمر بن أبي بيعة وآخرين غيره، ما الذي بقي من ذلك ؟ لماذا ظلت المجتمعات العربية إذن محافظة إلى هذا الحد، رغم كل هذا الموروث الثقافي ؟ لماذا ظل الجسد اليوم تابو أيضًا. أقول اليوم أكثر مما في أي وقت مضى ؟ لِمَ هذا النزوع إلى التسامي، نحن مستغرقون في الاستيهام، في الحلم ، في الأمل ...كل شيء يبقى حيًّا داخل الرأس ومن الصعب أن ينتقل الفعل ...هل هذا بسبب الثقافة الشفاهية ؟ كما لو أن النص أكثر أهمية من الأفعال ؟! فنحن نتكلم، ولكننا لا نفعل . ربما يخشى العرب من قوة (شحنتهم الشهوانية)، لهذا فهم يخفونها ، يتستّرون عليها، ممارسين (استئصالات بسيكولوحية) بالاتكاء على (السور القرآنية) والتقاليد...(من دون التطرق إلى الحريم الذي ساعد على "جنسنة" العالم العربي الإسلامي، ولم يفعل سوى تغذية أوهام الغرب وتخيلاته. فالنساء هناك خُلقن من أجمل الافتراع، يُنظر إليهن كموضوعات، كرقيق دون أخذ رغبتهن بالحسبان). هل الأحلام والتخيلات الوهمية أفضل الوسائل للهروب من واقع يومي رازح تحت نير تقاليد صارمة وديانة كابحة ؟
أدونيس : أنا أرى أن الفرضية الأخيرة هي الأكثر رجحانًا، فالدين يُلقي بثقله على حياة الأفراد، لهذا السبب فإن المجتمعات العربية تتخيل مستويين اثنين للحياة : حياة شخصية شهوانية في الخفاء يمارس فيها الأشخاص الجنس ويقضون أوطارهم من كل نوع حسبما أعرف، فإن الملذات التي عاشوها ما عاشها أحد غيرهم على هذا المستوى وحياة دينية رسمية لا استسرار فيها . وحين نتصفح التاريخ العربي نجده زاخرًا بكل ما يتصل بالعلاقات بين الرجال والنساء . لقد كان بإمكان الرجال أن يموتوا في سبيا امرأة، كان بإمكانهم أن يتبعوها من بلد إلى بلد ، هائمين على وجوههم، وأن يقتلوا زوجها من أجل أن يمتلكوها، بل وأن يختطفوها. كانوا يجتنون المتع والملذات كافة، ولكن في الخفاء وفي غياهب السر، كي لا يدخلوا في نزاع مع الدين وعم بقية فئات المجتمع. أما البُعد الآخر للمجتمع العربي فهو بُعد ديني وهو بتسم بالمحافظة والحرص على احترام التقاليد والنصوص القرآنية. واليوم أيضًا، فإن المجتمع العربي لا يزال يسلك هذين الطريقين، طريق موغل في المتع، وسري وطريق آخر ديني، في العلن وعلى رؤس الأشهاد. لهذا السبب يمكن القول بأن الشخصية العربية شخصية مزدوجة، مبنية على الكذب والنفاق

تعليقات