الزبيبية(قصة قصيرة)- السعيد عبدالغني

 


*الاعمال الفنية ل Garth Knight

أجلس على المقهى المكتظ بالكثير من الرجال الشيوخ الذين أنهوا حياتهم العملية وتفرغوا للصلاة والسلام على النبي ولعب الضمنة والتفاخر بضخامة " زبيبة الوجه".

 وبعض الصنايعية الذين يظهر عليهم رتوش من أدوات أعمالهم الغبار والدوكو والتراب والاغبرة المعكرة.

صوتهم يعلو بعد البدء في لعب الضمنة، وفي جوارهم بعض الشيوخ على منضدات أخرى يلعبون الشطرنج.

 والحقيقة أنهم يلعبون مع معنى الحياة كما يفعل الجميع.

الشارع هادئ والنسمات باردة الى حد بعيد، لكن ليس هناك مطر.

رائحته آتية وبرودته تشعر بها في أذنيك.



رائحة الشيشة مكدسة بعد أيام مِن كورونا البائسة، التي كانت تمنع فيها الشيشة.

 وهذا المقهى امتنع عن تقديمها بسبب الرخصة العالية لها مؤخرا لكنه يقدمها في السر.

 أشاجر كل أحد يقترب مني أو لا يقترب.

أَحضر دوما مبكرا عن أصدقائي الذين لم أحدث أحدا منهم، وأحيانا في الشتاء المغرق أجلس وحدي تماما أنا وصاحب المقهى الذي أصبح يلعن كل شيء كاستعارة عن العجز الشديد.

أعتقد في ألمي أنه أكبر ألم عرفته البشرية، وكم ذلك كان تافها.

 قدرتي على التفكير المفرط تزيد قدرتي على إدراك العذاب.

رغم أني البارحة كنت أؤمن باختلاس الحياة حتى لو في القيامة، سترى غزالة ترضع وليدها بغض النظر عن الدمار والخراب.

هزيل، حتى الكلمات صعب التفوه بها.



 الشمس شديدة تفرش الشارع والظلال بجوار البيوت.

الرجال والنساء والعربات تعبر وجلبة الاقدام والمزامير.

هناك جمع كبير ممن ينزل من السيارات القادمة وهذا يثير قلقي كثيرا بلا مبرر.

 أيضا الموسيقى المقززة في المقهى التي لا اعرف كيف أتذوقها أبدا.

أشد في سيجارتي وأنفخ الدخان، سيجارة وراء سيجارة ولا طاقة لفعل شيء أو للتفكير في شيء.

صوت يتعالى في الخارج لرجل ولا يتوقف وبجواره أصوات أخرى خافتة.

 ليست لدي قدرة على القيام لرؤية ما يحدث، ولم يمنع ذلك سماعي وإنصاتي لما يقول.

" الرجل الذي كان أبي قبل أن يموت قال لنا أننا لسنا أولاده وأنه أخذنا من ملجأ"

أنظر إلى كل شيء بكلية دوما، ولم تُعنني أبدا حبكات الصدف الصغيرة، "تفاهات" كما كنت أردد دوما.

عيني الواسعة المتعبة  كانت دوما على الصدفة الاولى، لم خلقنا؟ ما معنى الحياة؟ معارك علم الكلام والفلسفة ..



لكن أليس كل ألم متصل بالكليات، الأسئلة الكبرى في النهاية.

خرج جميع من في المقهى مسرعين عندما بدأ يُهشِم كل شيء حوله ويقول" استبحت حرمات كثيرة وهذا حقي" ويرددها باستمرار.

الشيوخ واقفة مندهشة وبعضهم يذهب ليحنو عليه فيتعصب أكثر ويبعد أيديهم بعنف.

قدرة التخلي عن كل شيء ولعنه أكبر قدرة يمكن أن يمتلكها الانسان.

 ينبذ أن يُساوَم، أن يخاف، وهذا ما يميز الذي يحمل ثورة حقيقية أو ألم حقيقي.

تعليقات