الغريب- قصة قصيرة ل السعيد عبدالغني

 الغريب



لم تفهمني عائلتي ولا مجتمعي،  لكن حتى وصفي لهم بالجهل لا يريحني ولا يفعل شيئا. 

كلامي أمي في أذني" أنت لا تُؤتَمن على شيء!".

مَن يجلس معي على المائدة ومن يصنع الطعام ومن يجاورني في المقهى. 

أنا مدمر في كل الاحوال لكن لو فهموني ستقل المضايقات والتتفيه من ألمي.

كلام أبي في أذني" أنت شيطان عظيم".

ليس لديهم وجدانيات حتى لإدراك ألمي.  

أن أكون حياديا هنا أمر غير حقيقي وغير منطقي. كون الالم جما ويجب الهروب بأي طريقة. 

نبتة غريبة أنا، وسط نباتات واحدة وجميعهم ينظرون لي باستغراب و خوف.

 بعضهم يريد قتلي وبعضهم يريد موتي. 

كلام الكثيرين في أذني لا يذهب وقد يتحول إلى هوس.

الأمر ربما في احتفاظي بعقلي إلى الآن،  لأن المجنون لا صِدق في قوله. 

قدرتي على المحاججة بالمنطق واللامنطق. 

قدرتي على الكتابة التي أصبحت مؤلمة. 

كنت أعلم أني سأكون وحيدا منذ كنت طفلا. أعلم أن اللغة والقدرة عليها ستجعلني أفهم الكثير عن ذاتي وعن الذات الإنسانية نفسها لدرجة تمنع اختلاط الأشواك والسموم.

أحيانا اللغة أداة مقاومة لدلالة الصمت، لإخفائه، للتشويش. أحيانا الكتابة بديلا عن حيز الشرود والعناء في الصمت.

سطوة اللغة على الكاتب في قراءته للعالم تُهدر حق الجنون والصمت فيه.

أريد أن أفك ولو قضية واحدة في حياتي و لمرة نهائية،  أريد أن أستمتع بدماري وفسادي كما يقولون.

أنا على سطح البيت كما أقول دوما "عرشي"، السماء تتلون بشكل عجيب لكن في النهاية تتحول إلى السواد، ليس ذلك ما أراه وأنا مغمض عيني ولا وأنا مدخن المخدرات بل وأنا واع بالكامل.

أقترب من السور الذي يدلي إلى الموت، و أعود ثانية وأقترب وأعود ثانية، لم يعد لي شيء في العالم. ولا أعرف أيضا لم لازلت حيا؟ 

السماء تدور بشكل شديد، ألوان متتابعة تنتهي بالسواد الصلب. لكن أبي الذي عذبني كثيرا وأمي يخرجون من السماء آتيين.  هل يعقل أن يمتلئ خيالي أيضا بهم؟  

هبط أبي وأمي بالقرب من السور، في البداية كنت خائفا لكني أقترب بمسافة ضئيلة وزمن طويل. لم يفعل شيئا وظل ينظر لي بخبث حتى اقتربت أكثر من السور. كأنه يشدني من داخلي بنشوتي، لقد سيطروا على موضوع نشوتي حتى.

وتعثرت قدمي وكدت أن أقع، لا أعلم. بطني مالت على السور وغرقت في الضحك. نصفي في الهواء وقدمي مرفوعة من الوراء.

هل أموت بعد كل هذه الأمور التي فعلت عبثا؟ يقتلك ما أنشاك دوما، وما أنشاني الخيال!


تعليقات